Okaz

معولهدمصامت قـــائـــد مـــســـار الــصــحــة الـنـفـسـيـة بـتـجـمـع الـــطـــائـــف الـصـحـي ماجد مطر الهذلي يـرى عبر «عـكـاظ»، أن النصيحة في جوهرها فعل تواصلي ذو بعدٍ إنساني، يهدف إلى التوجيه والإرشــاد وتيسير النمو النفسي والاجتماعي للفرد، غير أن التحولات الــــرقــــمــــيــــة المـــــعـــــاصـــــرة أفــــــــــرزت شـــــكلاً جديداً من الخطاب التثقيفي، يتسم بـالانـتـشـار الـكـمـي الــواســع والتأثير النفسي الـعـمـيـق، فــي مـقـابـل ضعف الــضــبــط الـعـلـمـي والمــفــاهــيــمــي.. هــذه المـفـارقـة جعلت مــن النصيحة الـرقـمـيـة -فـي كثير من صورها- معول هدمٍٍ صامتاً للع قات الأســـريـــة والــبــنــى الاجـتـمـاعـيــة، رغـــم مـــا يُضفى عليها من طابع أخ قي أو إص حي. ومـــــن مـــنـــظـــور عـــلـــم الـــنـــفـــس الاجـــتـــمـــاعـــي، يــــؤدي الخطاب الوعظي غير المتخصص إلى نشوء حالة من التنافر المعرفي لدى المتلقّي، إذ يجد نفسه ممزقاً بين معايير مثالية يُروَج لها عبر منصات التواصل، وواقــع ذاتــي يفتقر إلـى الـشـروط ال زمـــة لتحقيق تلك المـعـايـيـر، وهـــذا الـتـنـافـر يــولّــد مـشـاعـر الإحــبــاط والـذنـب ويُغذّي المقارنة المرضية داخل الأسرة وخارجها، الأمر الذي يسهم تدريجياً في تفكك الروابط العاطفية وازدياد الشعور بعد الكفاء ة الشخصية. 07 تحقيق فوزيةالوثلان جيلاني الشمراني حياتك اختر بطريقتك وأخيرا هذه بعض المواقف التي تعرضن لها امن خ ل نصائح وجهت إليهن أو استمعن إليها، عبر منصات التواصل الاجتماعي، فماذا قلن؟ أكـدت (ربـة المـنـزل) ح لـ «عكاظ»، أنها لا تميل إلـى القصص التي تُشجع على تـرك الحياة الزوجية أو التفكك الأسري: «كل إنسان يملك عقله وقراره، ولا يتبع النصائح المدمّرة للأسرة، إلا من يسعى لتدمير نفسه، وغالباً ما يكون هشّاً من الداخل ولا يثق بقدراته». وأضافت: لا أنكر وجود شخصيات إيجابية على مواقع التواصل الاجتماعي، تنشر الفكر والعلم والدين، وقد استفدنا منها كثيراً، لكن في النهاية يبقى الأمر خياراً شخصياً، فطريقة نظرتك لحياتك هي التي تحدد طريقك. نماذج مصطنعة الكاتب جي ني الشمراني يقول لـ «عكاظ»: إنه في زمن المنصات المفتوحة، تحوّلت النصائح العابرة إلى شرارات فكرية داخل البيوت، فبعضها يُــقــدَ ب مـسـؤولـيـة ولا وعـــي بـتـنـوّع الـبـيـئـات الاجتماعية وكثير من المحتوى الذي يُقدَ بلباس النصح يفتقر إلى التأصيل العلمي والمـصـداقـيـة، فـيُـحـدِث شــرخاً بين أفـــراد الأســـرة، أو يُـشـوّه صــورة الـع قـات الزوجية والتربوية تحت شعار الحرية أو التطوير، وأخطر ما في المشهد أن بعض المستخدمين يعيشون وهم الحقيقة؛ إذ يُقيسون حياتهم على نماذج مصطنعة تُبثّّ يومياً على المنصات. وهنا تتفكك الأســرة تدريجياً حين تصبح المقارنة معيار السعادة، وتتحول النصيحة الرقمية إلـى عبء نفسي واجتماعي. وأكــد الشمراني أن المملكة أدركـــت هـذا التحدي مبكراً مـن خ ل تنظيمات إع مـيـة دقيقة وشاملة أطلقتها الهيئة العامة لتنظيم الإع ، لضبط المحتوى ومساء لة المؤثرين غير المــرخّــصين، وضـمـان أن تكون المنصات الرقمية جزءاً من البناء لا الهد . منع التباهيوالإسراف الإع مـــــي الـشـمـرانـي يـضـيـف: جــــاءت الــضــوابــط الأخـــيـــرة الــتــي تمنع نشر مظاهر التباهي والإسـراف المبالغ فيه، لتؤكد أن الإع ليس ساحة استعراض، بل أداة وعي ومسؤولية، فالممارسات التي تُظهر الثراء المفرط أو الترف غير المبرر لا تُمثّل واقع المجتمع، بل تُربك الذائقة العامة وتُرسّخ قيماً استه كية دخيلة تتنافى مع هوية الإنسان السعودي المتوازن والمعتز باعتداله. وتقع على عاتق الإع ميين مسؤولية كبرى في إعادة تعريف وظيفة الإع من التفاعل إلى التنوير، ومن السبق اللحظي إلى التأثير المستدا ، فالإع الحقيقي ليس مـن يله وراء الضجة، بـل مـن يصنع وعــياً هـــادئاً يُحصّن المجتمع من التشويه والتشويش، نحن لا ننافس في سرعة النشر، بل في عمق الفكرة ونزاهة الكلمة، لأن الميكروفون أمانة، والكلمة في فضاء اليو قد تبني وطناً أو تُربك أجيالاً. ويختم الشمراني: «البديل الحقيقي هو صناعة محتوى يوجّه لا يُملي، ويُصلح لا يُثير، ويُبنى على مسؤولية الكلمة لا على تفاعل اللحظة، محتوى يُعزز قيم البساطة والوعي والانتماء قبل كل شيء». إشباع معرفيوهمي يــرى مـاجـد الـهـذلـي أن الـتـعـرّض المستمر لـهـذا النمط مـن المحتوى يؤدي إلى ما يمكن تسميته «الإشباع المعرفي الوهمي»، وهو شعور زائــف بالوعي والمعرفة دون تغييرٍ فعلي فـي السلوك أو منظومة القيم، إذ يتلقّى الفرد كمّاً كبيراً من «النصائح الجاهزة» التي تُحدث تـهـدئـة آنــيــة، لكنها فــي جـوهـرهـا تُـضـعـف الـدافـعـيـة للنمو الـذاتـي والنضج الانفعالي. إضافة إلى ذلك، فإن غياب التخصص العلمي في المحتوى التثقيفي، قد يؤدي إلى خلطٍ مفاهيمي بين القيم الخاصة والعامة والمفاهيم النفسية، مـا يـشـوّه البنى المعرفية للمستمع. فالصبر يُختزل إلى كبتٍ انفعالي، والتسامح يُفهم ضـعـفاً، والـرضـى يُفسَر اسـتـس ماً. هـذه الاخــتــزالات تـكـرّس نـمـوذجاً إنسانياً هــشّاً يعيش فـي دائـــرة الكمال الزائف وينكر الحدود الواقعية للطبيعة البشرية. فالوعي الأخ قي لا يكتمل إلا بعمقٍ معرفيٍ ونفسيٍ يراعي الإنسان كما هو. عالم افتراضي من المثاليات من ناحية تربوية، قـال المعلم أحمد آل عمر الغامدي لـ «عكاظ»، إنـه في زمــنٍ أصبحت النصائح تُلقى على منصات التواصل كما تُنثر البذور في الريح، لم تعد كل «كلمة وعظ» تُثمر خيراً، فالكثير من المحتوى الواعظ اليو -رغم نواياه الحسنة- تحوّل إلى أداة تفكيك للأسرة والمجتمع؛ إذ تُقدَ النصائح بسطحيةٍ، دون إدراكٍ لاخــت ف البيئات والظروف، فيتلقاها البعض كأوامر مطلقة، فيقع الخ ف بدل الإص ح. وأضـاف الغامدي: إن منصات التواصل الاجتماعي جعلت الواعظ والمُتلقّي يعيشان أحياناً في عالمٍ افتراضي من المثاليات، حي تُعرض الـع قـات الزوجية والأسـريـة من منظورٍ واحـد خـالٍ من تعقيدات الـواقـع، فيتشكل الوهم مــحــلّ الـحـقـيـقـة، فتصبح لنصيحة -بدل أن تكون جسراً للخير- قنبلة موقوتة تزرع لـــشـــك، وتُـــضـــعـــف الـــثـــقـــة، وتـفـكـك الروابط الأسرية. الشاشات امتداد للعقول! الأخصائية الاجتماعية في جامعة الملك سعود، أميرة مطر تقول: إنه في زمــنٍ صــارت الشاشات امـتـداداً لعقولنا وقلوبنا، تحولت منصات الـــتـــواصـــل الاجــتــمــاعــي مـــن مـــجـــرّد أدوات تــرفــيــه إلــــى مــنــابــر دعـــويـــة، ومنصّات وعظية، وعيادات نفسية مفتوحة على مدار الساعة. أصبح «الـداعـيـة الـرقـمـي» أكثر حـضـوراً مـن الخطيب على المنبر، و«الناصح النفسي» أقرب من الطبيب المختص، و«الفاعل الاجتماعي» أكثر تأثيراً مـن المؤسسات الواقعية. ووســط هـذا الـزخـم، يبرز ســؤال جـوهـريّ: هل ما نعيشه على هذه المنصّات حقيقة أ مجرد وهم مصقول بتأثيرات بصرية وكلمات منمّقة؟ لقد أحدثت هذه المنصات ثورة في طريقة وصول النصيحة.. فبضغطة زر يمكنك أن تستمع إلى خطبة قصيرة، أو مقطع تحفيزي، أو استشارة نفسية مبسّطة. وقد أسهم هذا كسر حاجز الخجل أما طلب الدعم النفسي أو المجتمعي. لكن السؤال الأهم: هل هذا «الوعظ الرقمي» يُحدِث أثراً حقيقياً؟ أ أنه يمنح شعوراً زائفاً بالتحسن؟ وهل نعيش الحقيقة أ الوهم؟ وتـــرى أمـيـرة مطر أن الــجــواب ليس فـي منصات الـتـواصـل، بـل فـي طريقة الاســـتـــخـــدا ، فـمـن يـتـعـامـل مـــع مــواقـــع الــتــواصــل ك ــــــ «أداة مــســاعــدة للحياة الــواقــعــيــة» سـيـجـد فـيـهـا نــــوراً يـعـيـنـه عـلـى الــخــيــر، فــالــخــطــورة لـيـسـت في التكنولوجيا ذاتــهــا، بــل فــي تحويلها مــن وسـيـلـة إلـــى هــويــة، ومـــن نـافـذة للمعرفة إلى قفص من الوهم. فمنصات التواصل الاجتماعي ليست واعـظاً كـاملاًً ولا ضياعاً مطلقاً، بل مـــرآة تضخّم مـا فينا، والأفــضــل اخـتـيـار الـوضـع والآراء المناسبة لحالتك الاجتماعية والزوجية والنفسية، ومن كان صادقاً في نيّته وجد فيها معيناً على الحق، ومن ابتغى منها هروباً من ذاته ضاع بين الإعجاب والمشاهدة وهو يظن أنه يحيا الحقيقة. الواقعية لا المواعظ المنمّقة الكاتبة فوزية الوث ن ترى عبر «عكاظ»، أنه في زمنٍ تتدفق النصائح والمحتوى الـواعـظ مـن كـل حــدبٍ وصـــوب، أصبح المتلقي - خصوصاً فئة الشباب- في مواجهة سيلٍ من التوجيهات التي تتنوع بين المفيد والعابر، وبين الصادق والمثير للجدل. وهنا يُطرح السؤال الأهم: هل ما يُقدَ من نصائح ومحتوى توعوي في وسائل التواصل الاجتماعي له قيمة حقيقية تُسهم في بناء الفرد والمجتمع؟ أ أنها قنابل موقوتة قد تُحدث دمــاراً نفسياً أو اجتماعياً، وربما تسهم في تفكيك الأسـرة أكثر مما تصلحها؟ لا شـك أن كثيراً مـن صـنـاع المحتوى يملكون نـوايـا طيبة ورغـبـة في الإص ح، لكن النية وحدها لا تكفي. فـحين تُـقـدَ النصيحة بطريقة جارحة، أو عامة لا تراعي اخت ف البيئات والأعمار، أو تُبنى على تجارب شخصية لا تصلح للتعميم، قد تتحول من توجيه نافع إلى رسالة مربكة تُحدث انقساماً داخل الأسرة أو المجتمع. وأضافت الوث ن: إن النصيحة التي تُلقى دون علمٍ أو حكمة، قد تكون مثل الدواء الخاطئ، يضرّ أكثر مما ينفع، فالشباب اليو مثلاًً لا يعانون من قلة النصائح، بل من تشبعٍ مفرطٍ منها. هم يسمعون كثيراً، لكنهم لا يثقون إلا بالقليل. الفئة الشابة تبح عن القدوة الواقعية لا المواعظ المنمقة، عمّن يعيش ما يقول، لا من يقول ما لا يعيش. فالتأثير لا يكون بكثرة الك ، بل بصدق التجربة ودفء الأسلوب. الشاب لا يريد من يوبّخه، بل من يفهمه ويحدثه بلغته ويشاركه همومه. الوث ن تضيف: حين تُقدَ النصيحة بطريقة صادقة وذكية، تصبح جسراً للتقارب بين الأجيال، لا جداراً يفصل بينهم، فالنصيحة الراقية لا تُهاجم الخطأ بقدر ما تحتضن الإنـسـان وتدله على الـصـواب، والمحتوى الواعظ الذي يُبنى على احترا العقول ومخاطبة العاطفة، يتحول إلى طاقة بناء تُنعش الأســرة والمجتمع. فالمسألة إذن ليست في النصيحة ذاتـهـا، بل في أسلوب تقديمها، فالكلمة التي تُقال بصدقٍ وحـنـان، تُثمر وعــياً وتُصلح قلوباً، أما التي تُقال بتعالٍ أو تهكم، فمهما كانتصحيحة، ستُغلق الأبواب. لنجعل من نصائحنا رسائل حبٍ تبني ولا تهد ، ووسائل التواصل منابر للنور، لا أدواتٍ للتفجير العاطفي والفكري. دوامة المقارنة والخذلان رشا الحارثي (موظفة) تقول: نحن في زمنٍ كثر فيه القيل والقال، وتزاحمت الأصوات الداعية للمثالية، وارتفعت شـعـارات «الاستحقاق العالي» و«طـاقـة الـجـذب» و«ابــدأ بنفسك»، وغزت مواقع التواصل جموع من الواعظين الجدد، بعضهم يروّج لفكرة أن الحقيقة تبدأ من داخلك، وأنك وحدك من تختار حياتك، وأنك تستحق الأفضل دائماً. غير أن هذا الخطاب -على بريقه الظاهري- يجعل المستمع يغرق في دوامة من المقارنة والخذلان، ويشعر بالعجز تجاه واقعه. وأكملت الحارثي حديثها: حين تمتد هذه الخطب إلى الأسـرة، تتحوّل الكارثة إلى واقـع، فكم من امرأة بـدأت تكره بيتها وزوجها بدعوى أنها تستحق الأفضل، وكـم من أبناء ورجــال فقدوا اتزانهم الأسـري تحت تأثير نصائح سطحية تُـقـدَ بـاسـم الـوعـي والـطـاقـة. وأضـافـت الـحـارثـي بأنها لا تنكر أن بعض الأسماء تركت أثراً إيجابياً في المجتمع، لكن الضجيج والطرح السطحي طغى على القيم الحقيقية «أما أنا فبصراحة لا أجد في كل ذلك ما يُقنعني أو يُغنيني، لأن الوعي الحقيقي لا يُباع في مقاطع ولا يُقاس بعدد المتابعين». النصيحة «اللغم» ماجد الهذلي أحمد الغامدي وأحيانا أداة بناء للأسرة والفرد النصيحة: أحيانا تكون معولهدم للحياة تهدف إلى التوجيه والإرشاد فعل تواصلي ذو بعد إنساني أميرة مطر وتقول نــورة عن النصائح التي تقدمها مواقع التواصل الاجتماعي: أنـا شخصياً «أخـــذت مقلب» فـي إحــدى الشخصيات التي تظهر كـل يـو فـي القنوات الفضائية، تتحدث عن المرأة وعن أنها تستحق أكثر من الحياة الزوجية التي تعيشها، مع الوقت اجتمعت الأفكار في عقلي وبـدأت أصـدق أني مظلومة، والحل في أن أتـرك كل شيء وأبدأ من جديد، أعيش لنفسي وأهتم بنفسي بعيداً عن زوجي وأولادي! تضيف نــورة: كثرت المشاكل مع زوجــي، وكـل مقطع كنت أتابعه كـان يزيدني قهراً على نفسي ويـؤجـج غضبي، وفـي يـو ومـن شـدة الــخ فــات، تركت البيت إلـى بيت أخي، وطلبت الانفصال وبقيت هناك أسبوعين، صارت الدنيا سوداء في عيني، كنت بعيدة عن بيتي وزوجي وأطفالي، وشعرت بالفراغ ينهشني. وقتها فقط أدركت أن الله أكرمني ببيت وزوج وأطفال، وأنّـي كنت على وشك تخريب بيتي بيدي بسبب تفاهات. وأشــادت نـورة بكر زوجها وقالت: كان في حال مـادي متواضع لكنه كريم وطيب. والــيــو صــرت أؤمـــن أنـنـا أحــيــاناً نـخـرب حياتنا بأنفسنا بسبب صديقة سيئة أو نصائح من «كل من هبّ ودبّ». الجمعة السبت ه 1447 جمادىالآخرة 1 ، جمادىالأولى 30 السنة الثامنة والستون 21334 العدد م 2025 نوفمبر 22-21

RkJQdWJsaXNoZXIy MTExODU1NA==