Okaz
12 الثقافة قال إنّّ عمله الإعلامي غذي الكتابة ولا يُُزاحمها سليمان المعمريلـ «عكاظ»: السرد العماني.. قصير العمر سر ع النضج! عليفايع | حاوره @alma33e فيعمان والخليج والعالم العربي، يبرز اسمسليمان المعمريواحداً من أهمّ الإعلاميين الثقافيين، وصوتا يجمع بين التجربة الإعلامية الثرية والرؤية الأدبية المتجددة. عرفه القراء قاصّاً يمتلكحسّاً إنسانيا شفيفاً، ومحاورا يسعىإلىأن تكون أسئلته جسراً للتنوير لا وسيلة للضجيج. منذ بداياته فيالإذاعة وحتىحضوره اللافتفي المشهد الثقافيكاتباً ومنتجاً، ظل المعمرييفتش عن جوهر الإنسان فيتفاصيل الحياة اليومية، وعن المعنىفيلحظات الالتباسالتيتملأ العالم الحديث. فيهذا الحوار، نتحدثمعه عن القراءة وعلاقته بالكتب والكتّاب، عن السرد فيسلطنة عمان، وعن علاقة المعمريبالإعلاموالصعوبات التيواجهت الكتّاب العمانيين، فإلىنصّ الحوار: سليمان المعمري • حدثنا ابتداءً عن علاقتك الأولى بالقراءة والكتاب. •• لا أتذكر متى بـدأت علاقتي بالقراء ة بالضبط، ربما من المـذيـاع الـذي كنتُ أحـمـلـه طــــفلاً فــي مـزرعـتـنـا وأسـتـمـع بينما ألــقــط الـبـسـر مــن تـحـ الـنـخـيـل إلـى مسلسلات إذاعية تاريخية من قبيل «قبس من الضياء» الذي يسرد حكاية سيدنا إبـراهـيـم عليه الـــسلام، وربـمـا مـن روايــتَــي «الـحـب فــوق المـطـر» لنجيب محفوظ، و«العمر لحظة» ليوسف السباعي، اللتين كنتُُ أُقصِّّر بهما المسافة بين «الـردة» ـف الأول الثانوي، (قريتي حيث أسـكـن) ومدينة صـحـار الـتـي أدرس فيها الـ وعرفتُُ من خلالهما لأول مرة أن ثمة بشراً قادرون على تحويل تفاصيل حياتنا اليومية إلى حكايات مدهشة. ومع الزمن تطورت علاقتي بالقراء ة، وصارت رواية مثل «خفة الكائن التي لا تحتمل» لكونديرا التي لم أستطع إكمالها عند قراء تها ، محرضة لي على التأمل وطرح الأسئلة الوجودية في 1997 للمرة الأولـى عام ، وعلّمتني أن القراء ة الحقيقية لا تكتفي بالإجابة بل 2010 قراء تها الثانية عام تبحث عمّا لا إجابة له. أستطيع أن أزعم اليوم أن القراء ة تمثل لي تجربة مستمرة للدهشة، ومراجعة دائمة للذات، يكبر وعيي وينمو كلما توغلتُُ فيها أكثر. • كتب وكتّاب كان لهم تأثير كبير عليك. •• مــن بين الـكـتّـاب الــذيــن تــركــوا أثـــراً بــالــغاً لـــديَ كــقــارئ يأتي عـبـدالـفـتـاح كـيـلـيـطـو فـــي المـــقـــام الأول.. هـــذا المـفـكـر والـنـاقـد المغربي الـذي يقدم المعرفة والتحليل في لغة سلسة أقرب إلــى نـص أدبـــي رفـيـع. مـن خلال كتبه «الأدب والـغـرابـة»، و«الـــعين والإبـــرة»، و«لـسـان آدم»، و«أبــو الــعلاء المعري أو متاهات الــقــول»، وغـيـرهـا، تعلّم أن النقد ليس سلطة على النص كما يتعامل معها كثير من الأدبــاء، بل حوار معه، وأن اللغة يمكن أن تــؤدي وظيفة معرفية وجمالية في الآن نفسه. بطريقته الهادئة والعميقة في الكتابة، يعلمك كيليطو أن التواضع المعرفي هو أعلى درجات الفهم، وأن الأدب لا يُدرَس بقدر ما يُعاش. ومـــن الـكـتـب الأخــــرى الــتــي تــركــ ب متها فــي وعــيــي أيــــضاً كــتــاب «بــلــدي» للشاعر الداغستاني رسول حمزاتوف، الذي لا تكاد تخلو صفحة من صفحاته من الدهشة، بعبارة جميلة، أو حكمة آسرة، أو حكاية شعبية طريفة، أو خلاصة تجربة حياة. أمـا الكتاب الـذي أشعر أن له فـضلاً كبيراً عليَ ككاتب فهو روايـة «كيف ترضع من الذئبة دون أن تعضّك» للروائي الجزائري عمارة لخوص، هذه الرواية التي أسرتني بسخريتها الذكية وتناولها الجريء لموضوع الهوية وكيف يعيش العربي ممزقاً في مدينة تشبه الذئبة ك ــ «رومــا». أعجب بقدرتها على المـوازنـة بين الهزل والـجـد، وعلى كشف التناقضات التي يعيشها بطل الرواية بطريقة تُحزِن وتضحِك في الوق نفسه. كما لا أنسى ق ص أنطون تشيخوف التي تعلّم كاتب الق ة ما يمكن أن أسميه البساطة العميقة.. ق ه التي تبدو عـاديـة مـن الــخــارج تخفي تح سطحها الـظـاهـر طبقات مـن المـعـانـي المدهشة، تجعلك تـقـول لنفسك على الـفـور إن الق ة لا تحتاج إلــى حـــدثٍٍ عظيم لتكون عظيمة، وإن الإنسانية تكمن في التفاصيل ال غيرة التي تمرّ بنا كل يوم دون أن نلتف إليها. • كيف استطعت التوفيق بين هواياتك المتعددة في الكتابة والنقد وتقديم البرامج الثقافية؟ اً، وما أكتبه •• أولاً سأستبعد النقد من هذه الهوايات، فلستُُ ناقداً متخ هو آراء شخ ية وانطباعات عن هذا الموضوع أو ذاك الكتاب، أو تلك القضية. تستطيع أن تقول إن الكتابة عندي هي نوعٌ من الحوار الداخلي مع ما أقرأ وأسمع وأرى. أمــا التوفيق بين الكتابة وتقديم الـبـرامـج الثقافية فهو امــتــدادٌ طبيعي لشغفي بالثقافة في صورها المختلفة. يمكن القول إن برامجي الثقافية، سواء الإذاعـيـة أو برنامج «ضـفـاف» في قناة عُمان الثقافية، هي مساحة أخــرى لهذا الحوار الداخلي، لكنها هذه المرة مع الآخرين؛ مع كتّابٍ ومفكرين وفنانين يفتح كلٌ منهم لي نافذة جديدة على العالم. محاورتهم تُثري معرفتي، وتمنحني زاداً ـور أن إنـسـانـيّاً وفــكــريّاً يتسرّب إلــى كتابتي مـن حيث لا أشـعـر. لذلك فإني أتـ عملي الإعلامي لا يُزاحِم الكتابة، بل يغذّيها، والكتابة من جهتها تساعدني على مقاربة ضيوفي بعمقٍ وتعاطفٍ أكبر. في النهاية، أنا لا أتعامل مع هذه المجالات ّ جميعها في نهر واحد هو حب كهوايات متفرقة، وإنما كمسارات متقاطعة ت المعرفة والإن ات إلى العالم عبر الكلمة. • ما أبرز التحديات التي واجهتك ككاتب عُماني في بداياتك؟ •• أظــن أن أبـــرز تـحـدٍ واجـهـتُـه ككاتب عُـمـانـي فـي بداياتي هو غياب دور النشر المحلية القادرة على تبنّي الأصـوات الجديدة. في تلك المرحلة (وأعني بها نهاية التسعينيات)، لم تكن في عُمان بنية نشر محترفة تتيح للكاتب أن يرى عمله مـطـبـوعاً بسهولة، وكـــان الـطـريـق إلــى الــقــارئ يمر غــالــباً عـبـر مـغـامـرة شخ ية أو مـــبـــادرات فـــرديـــة. كثير من المخطوطات كان تبقى حبيسة الأدراج، لعدم وجود الناشر. التحدي الثاني كان في العثور على الكتب في زمن بعد، ولم تكن في عُمان مكتبات كبيرة PDF لم يظهر به كتاب الـ تـوفّـر الكتب العربية كما هـي الـحـال الــيــوم، وكـنـا نضطر لانتظار معرض مسقط كل عـام للتزوّد بقائمة الكتب التي نبحث عنها. يضاف إلى ذلك طبعاً ما يواجهه كل كاتبٍ مبتدئ من قلق البدايات؛ الخوف من عدم القبول، ومـحـاولـة إيـجـاد صـــوتٍ خــاص وســط أصـــوات كـثـيـرة. هـنـاك أيـــضاً غـيـاب النقد المواكِب الذي يمكن أن يوجّه الكتابة ويقوّمها بموضوعية. وهو ما زال -للأسف الشديد- شبه غائب عن مشهدنا الأدبي اليوم. • هل للأدب العماني خصوصية ما تجعله يتفوّق في السنوات الأخيرة على الأدب في الخليج عموماً ويحضر بشكل لافت في الأوساط العربية؟ •• إذا كان هناك من يرى تفوّق الأدب العُماني في السنوات الأخيرة، فأنا أميل إلــى اعـتـبـاره حـضـوراً لافـــتاً بخ وصية واضـحـة أكـثـر مـن كـونـه تـفـوّقاً مطلقاً. كان لحظة كاشفة 2019 ففوز جوخة الحارثي بجائزة «مان بوكر» العالمية عام لا منشِئة؛ إذ أضـاء منجزاً تراكم عبر قـرون لكنه ظـلّ طـويلاً غير مرئي لأسباب تاريخية وعـــزلٍ سياسيٍ وثقافيٍ أشــار إليه الـقـدمـاء، حتى اضـطُـرّ الجاحظ في كتابه (البيان والتبيين) للدفاع عن بيان أهل عُمان بقوله: «وهل يَعُدُون لبلدة الكتابة عندي حوار داخلي لما أقرأ وأسمع وأرى التواضع المعرفيهو أعلىدرجات الفهم علّمني أنّّ النقد ليسسلطة على النص كيليطو القراءة الحقيقية لا تكتفي بالإجابة الجمعة السبت ه 1447 جمادىالآخرة 1 ، جمادىالأولى 30 السنة الثامنة والستون 21334 العدد م 2025 نوفمبر 22-21
Made with FlippingBook
RkJQdWJsaXNoZXIy MTExODU1NA==