Okaz
07 الرأي د. عليمحمد الحازمي كاتبسعودي سلطان السعد القحطاني كاتبسعودي @SultanAlsaadQ nyamanie@hotmail.com نجيبعصام يماني كاتبسعودي العمر لا يُُعلّّمنا فقطحقيقة الموت، بل أ ضًًا حقيقة الحب @massaaed محمد الساعد كاتبسعودي @Alhazmi_A الخميس ، م 2025 نوفمبر 13 هـ 1447 جمادىالأولى 22 21321 السنة الثامنة والستون العدد «حديث بطيء» عن القيم الإعلامية في«العصر السريع» في زمن التحوّلات الكبرى والانفتاح الواسع الـذي يشهده الإعلام الحديث، يصبح الحديث عن القيم الإعلامية ضرورة لا ترفاً، لأنها تمثّّل الضابط الأخلاقـــي والمهني الــذي يحمي المهنة مـن الانــزلاق نحو الفوضى والابـتـذال. فالقيم الإعلامـيـة ليست مفهوماً مبتكراً داخـل هـذا الحقل وحــده، بل هي امـتـداد لمنظومة القيم الإنسانية التي تضبط سلوك البشر وتوجههم منذ الأزل. إن القيم فـي جـوهـرهـا قـــوانين غير مكتوبة، تهذّب أرواحـــنـــا وتــنــظّــم حـيـاتـنـا وتـمـنـح الـعـمـل معناه الأسـمـى. ولـهـذا كانت الـرسـالات السماوية عبر التاريخ تركّز على القيم أك ر من أي شيء آخر، لأنها أساس البناء الإنساني، وبدونها تتحوّل الـحـيـاة إلـــى فـوضـى عـدمـيـة. فـــصلاح النفس، كما يعلمنا الدين، هو أصل صلاح المجتمعات، ومـنـه تتشكّل منظومة القيم الـتـي تفرعت إلى مجالات الحياة كافة، ومنها الإعلام. ومــــن هــــذا المــنــطــلــق، فــــإن الإعلام حين يـفـقـد قـيـمـه، يـفـقـد روحـــــه. فـالمـهـنـيـة هـــي تـــاج الـقـيـم الإعلامــــيــــة، وإذا غـابـت عـن المـؤسـسـة الإعلامـــيـــة، تـحـوّلـت إلــى عنصر هــدم لصورة الــوطــن والمـــواطـــن مـــعاً. ومـــا نـشـهـده الــيــوم مــن تــغــيّــرات عميقة في قيم المجتمعات انعكس بالضرورة على القيم الإعلامية، فأصابها اضطراب المفاهيم وتبدّل الأولويات. لقد ظهر ما يسمى ب ــ «الإعلام الجديد»، وهو أمر طبيعي في دورة الحياة وتطوّر أدواتها، فكما يتجدّد النهر بتدفقه، يتجدّد الإعلام بتقنياته. غير أن هذا التجدّد لم يخلُ من تحديات قاسية؛ إذ أفرز أنماطاً جديدة من الممارسة لا تمت بصلة إلى روح المهنة، وأسهم في ترويج قيم دخيلة، أضعفت الحس الأخلاقي والمصداقية المهنية. في الماضي، كانت الكلمة تمر عبر مراحل من التدقيق والمراجعة قبل أن ترى النور، وكان المذيع يخضع لتدريب مك ف قبل أن يظهر على الشاشة، في دورة مهنية متقنة تحفظ هيبة الرسالة الإعلامية. أما اليوم، فقد انهارت الحدود، وأصبح بإمكان أي شخص أن يقول ما يشاء، وقتما يشاء، وأينما يشاء. ومع تكرار هذا الفعل، بـــدأ الـجـيـل الــجــديــد يـعـتـاد عـلـى مـظـاهـر الانــــفلات وكأنها قانون حياة. لقد أضعف هذا الانفتاح قيم الحياء والمهنية والـتـقـالـيـد، حـتـى صـرنـا أمـــام مشهد إعلامـــي مـتـداخـل، تختلط فيه الحقيقة بالضوضاء، وتُـــســـتـــبـــدل فـــيـــه الـــخـــبـــرة بـــالـــصـــخـــب. ولــعــل أبـــــرز مــظــاهــر هــــذه الـــتـــحـــوّلات أن بــعــض من يــتــصــدّرون المـشـهـد الإعلامــــي الــيــوم، لــم يـمـروا عبر المسار المهني المعروف، بل جاءوا من فضاء الشهرة الرقمية، يحملون تأثيراً كبيراً، لكن بلا وعي حقيقي بمسؤولية الكلمة وأمانة الرسالة. القيم الإعلامية -في جوهرها- هي المصداقية، النزاهة، والأمانة. وهـي لا تختلف عـن قيم أي مهنة أخــرى، لكنها فـي الإعلام تحمل وزناً مضاعفاً، لأن الإعلام هو مرآة المجتمع وصوته أمام العالم. إن الإعلام الجديد ليس بديلاً عن الإعلام التقليدي، بل هو وسيلة جـديـدة لنقل المـحـتـوى ذاتـــه. فالمهنة بـاقـيـة، وإن تـغـيّـرت أدواتــهــا، وستبقى هي المرجع الأوثق في لحظات الحقيقة الكبرى. والتحدي الـيـوم ليس فـي مـقـاومـة التغيير، بـل فـي صــون القيم الـتـي تحفظ للمهنة معناها، وللكلمة وزنها، وللحق مكانته. فالقيم الإعلامية ليست شعاراً، بل مسؤولية، وسلوك، وإيمان عميق بأن الكلمة الصادقة قادرة على البناء، كما أن الكلمة العاب ة قادرة على الهدم. القيم الإعلامية -فيجوهرها- المصداقية، النزاهة، والأمانة هللا تزال الشيوعية تحكم العالم العربي؟! مـخـطـئ مـــن يـعـتـقـد أن الـشـيـوعـيـة سـقـطـت فـــي الــعــالــم الــعــربــي مـــع ســقــوط الاتــحــاد م، نعم سقطت الستالينية، لكن الشيوعية بقيت تزدهر وتعتاش في 1991 السوفيتي العالم العربي، فقد وجد الك ير فيها ملاذاً يعبّرون من خلالها عن الآلام التي شعروا بها تـجـاه الـغـرب المستعمر، وكـمـا الـتـقـوا معها فـي كـراهـيـة الأغـنـيـاء فـي جـوارهـم، ونقصد هنا بها دول الخليج النفطية التي صدف ظهور النفط فيها مع بداية القرن الماضـي، ووجد كارهوها في الشيوعية المبادئ التي تبرر لهم حلم الاستيلاء على تلك ال روات. ولكي نفهم طريقة تفكير بعض العالم العربي بشقيه «الشارع» و«النخب الم قفة»، علينا أن نرجع مئة سنة للوراء، عندما ظهرت الشيوعية كعقيدة بديلة إثر انفراط القومية الع مانية التي سيطرت حوالي أربعة قرون على العالم العربي وفرّغته من قيمه وتراثه، وعند سقوط إسطنبول تلقفت موسكو أجـزاء واسعة منه، لقد صدّق «عرب دول الانتداب والاستعمار» أن موسكو تقف مع قضاياهم. حتى القومية العربية عندما تبنّتها دول عربية وتنظيمات م ل البعث واللجان الشعبية، كانت في جوهرها شيوعية المبادئ، يسارية الهوى، كارهة للمكوّن العربي الأصيل داخل الجزيرة العربية. ظهرت الشيوعية لأول مرة بشكل مبكر في لبنان وفلسطين في أوائل القرن العشرين، ، تأسست على ضوئها خلايا 1924 حيث تأسس الحزب الشيوعي اللبناني العام شيوعية في فلسطين في نفس الفترة تقريباً، تطورت هذه الحركة السياسية لاحقاً في دول عربية أخـرى م ل العراق وسورية وغيرهما، وظهرت أحـزاب شيوعية في الأربعينيات والخمسينيات وأوائل الستينيات، م ل الحزب الشيوعي العراقي العام م. 1934 كان للتنافس السوفييتي مع الغرب في أوروبـا صداه الواسع في إقليمنا، واعتبر الشرق العربي حديقة خلفية لتصفية الخلافات بين عقيدتين متضادتين، الأمر الذي دفع الحركات الوطنية العربية لأن تستدعي الشيوعية بح اً عن حاضن أيديولوجي يعوّضها ويساندها فـي مقاومتها للمد الغربي الــذي كـان رأس الحربة فيه دول الانتداب. لقد أثّـــرت الشيوعية فـي تشكيل طريقة التفكير العربية ومخرجاتها، وبـقـي هذا التأثير لليوم، ففي حرب تحرير الكويت -م الاً- انكشفت تلك العقيدة بشكل فاضح، فقد نظرت بعض الــدول والـشـارع العربي المتأثر بالعقيدة الشيوعية إلـى الكويت باعتبارها مـالاً مستباحاً للعالم العربي -حتى الـدول الغنية منه، وأن احـتلال بلد ومحوه من الخريطة مقبول ما دام ذلك يتقاطع مع الفكر الشيوعي الذي استوطن ـروات، وبـتـرول العرب للعرب، الذي وجــدان ك ير من الـعـرب، تحت أفكار تقاسم الـ طبّقوه فقط على حقول النفط الخليجية كما طبق الشيوعيون أفكارهم على مصانع الصلب في روسيا. التأثير الأقدم للشيوعية في العالم العربي تركز في دعمه لتنظيمات يسارية متطرفة اعتنقت الشيوعية روحاً وتحالفت مع موسكو تنظيماً، وهيمنت الأفكار الشيوعية واليسارية على سياساتها ومواقفها، كل ذلك أثر لاحقاً وخاصة على أساليب الحكم بظهور الأنظمة الاشتراكية ذات الحزب الواحد م ل دول «سورية والعراق وليبيا والسودان واليمن الجنوبي». ـيـر مـــن الــنــخــب الــعــربــيــة بين الأفـــكـــار الــيــســاريــة الـشـيـوعـيـة وبين كــمــا دمــجــت الـكـ الأيديولوجيا الإسلاموية، وشكّلوا ما عرف فيما بعد بـ «الشيوعية الإسلامية» التي م، ولا تزال آثار ذلك التحالف 1967 قادت أجزاء من العالم العربي لعقود منذ هزيمة بين اليسار والشيوعية والإسلاموية المتطرفة حتى اليوم. وبـالـرغـم مـن أن الشيوعية فـي شكلها السياسي انتهت، إلا أن الشيوعية كسلوك وطريقة تفكير لم تختفِ، بل تــوارت خلف مظاهر: يسارية، وإسلامــويــة، وقومية، واشتراكية مختلفة، وغالباً ما استوعبت أو تكيّفت مع الأيديولوجيات السياسية والاقتصادية السائدة بدلاً من أن تختفي من المشهد تماماً. لكن الأهم في نظري هو التأثير الفكري الذي استوطن بعض العالم العربي ولا يزال حتى اليوم، فعلى سبيل الم ال.. تتسامح النخب السياسية وال قافية ومعها قواعد لاً، ًث واسعة من الجماهير العربية مع وجــود قواعد عسكرية روسية في سورية مـ لكنها لا تتسامح مع قواعد عسكرية بريطانية أو أمريكية، معتبرة الأولــى ميزة، والأخرى مسبّة. هذا ليس مجرد رأي عابر، بل هي قناعات راسخة استوطنت وجـدان معظم العالم الـعـربـي، ومـنـهـا تنطلق مـواقـفـهـم وقــراراتــهــم تـجـاه ك ير مــن الـقـضـايـا، فـهـم يــرون عاماً، ويتبنون مواقف 90 عاماً أو 70 السعودية -م الاً- كما كان يراها أجدادهم قبل آبائهم التي أخذوها عندما كانت موسكو تبيع الوهم في شـوارع بيروت ودمشق والقدس وبغداد وعدن وطرابلس باعتبارها دولاً طليعية، وتتهم السعودية ودول الخليج الأخرى بالرجعية. فـي الــعلاقــة مـع إسـرائـيـل، تتسامح «الشيوعية الإسلامـــويـــة» مـع اتـفـاقـيـات الــسلام العديدة، والتطبيع الواسع، وتتفهم العلاقات الاقتصادية العميقة، وتتبنى مبرراتها بل وتدافع عنها ما دامت ليست سعودية، وفي الوقت نفسه تلاحق الرياض في كل تصرفاتها ال قافية أو الاقتصادية أو السياسية، حتى ولو كان الأمر مجرد دعاية أو كذبة تطير بها الركبان. ـر قـــرباً مــن الــــروس، والـصـيـنـيين، معتنق «الـشـيـوعـيـة الإسلامـــويـــة» يـــرى نفسه أكـ والفنزويليين، والقاعدة و«داعش» والألوية الحمراء، وفي الوقت نفسه يحمّل «دول الرفاه العربية» كل مشاكله وإخفاقاته منذ الاستقلال لليوم، يحلم بالغنى وتحسّن أحـوالـه، ولكن عبر احــتلال دول الخليج لو أتيحت له الفرصة، كما أتيحت لصدام حسين. ومـــا نــــراه الــيــوم مــع كــل الاضـــطـــراب الــــذي يــضــرب الإقـلـيـم الـعـربـي هــو فــي جـوهـره شيوعية تتستر وراء شعارات قضايا وطنية وأممية، بينما المشاعر الحقيقية تقف في الظلام تحمل سكيناً شيوعية وأمنيات ستالينية. الشيوعية كسلوكوطريقة تفكير لمتختفِِ، مظاهر: يسارية، وإسلاموية، بل توارتخل وقومية، واشتراكية مختلفة لماذا تفشل السياسات الاقتصادية الجيدة أحياناً؟ فــي كـتـب الاقــتــصــاد نـقـرأ حـقـائـق وكأنها وصفات دقيقة ونظن في ذات الوقت أننا ســنــشــاهــدهــا عــلــى أرض الــــواقــــع بـمـجـرد أن نغلق تلك الكتب، غير أن الـواقـع يقدّم مشهدًا مختلفًا تمامًا. علىسبيل الم ال؛ إذا خُفِضت أسعار الفائدة يحفّز الاست مار، وإذا ارتفع الإنفاق الحكومي تسارع معه بالتوازي النمو الاقتصادي، وإذا تحسّن ـقـة. فـكـم من الانـضـبـاط المالــــي ارتـفـعـت الـ سياسة وُصفت في انطلاقتها أنها حكيمة إلــى أنـهـا انتهت إلــى نتائج غير مرغوب بها، وكـم من إصلاح اقتصادي كنا نظن أنه مكتمل الأركــان اصطدم بجدار الواقع الــســيــاســي أو الاجــتــمــاعــي قــبــل أن يـؤتـي ثـــمـــاره. والــــســــؤال الــــذي يــتــكــرر فـــي أروقــــة صُـنّـاع الـقـرار هــو؛ لماذا تفشل السياسات الاقتصادية الجيدة أحياناً؟ على الرغم من أن هناك مـبـررات لفرضية ثـــبـــات الــــعــــوامــــل الأخـــــــرى عـــنـــد الـتـحـلـيـل الاقتصادي، إلا أنها أثبتت جمودها وعدم جدواها في رسم السياسات الاقتصادية، وخــــــــاصــــــــة فــــــــي ظــــــــل عـــــــالـــــــم اقـــــتـــــصـــــادي مـتـغـيّـر بين الـفـيـنـة والأخــــــرى. فـالـنـمـاذج الاقتصادية تفترض أن الأفراد عقلانيون، وأن الأسواق مرنة، وأن المؤسسات في غاية الاستقرار، لكنها في الـواقـع ليست كذلك. فالمستهلك يتصرف أحياناً بدافع الخوف لا المنفعة، ورجــل الأعـمـال قـد يـتـردد أمـام غـــمـــوض المــســتــقــبــل، والـــبـــيـــروقـــراطـــيـــة قد تفرغ الإصلاح من محتواه. وهنا يحدث الانــــفــــصــــال بين الـــعـــقـــل الاقــــتــــصــــادي فـي النموذج والعقل الإنساني في الواقع. الأمـــر الآخـــر، السياسة الـجـيـدة تحتاج إلــى أوركـسـتـرا متناغمة مـن مؤسسات مـــالـــيـــة ونـــقـــديـــة ورقــــابــــيــــة، ولـــكـــن حين تعزف كل جهة لحنها الخاص، تضيع الــنــغــمــة الإصلاحـــــيـــــة. فــكــم مـــن بــرامــج إصلاحية مالية تعطلت في العديد من الـدول العالمية لأن وزارة المالية والبنك المركزي لم يتحركا بإيقاع واحد، أو لأن الأنظمة المساندة لم تواكب التغيير في الوقت المناسب. الـسـيـاسـيـة الاقــتــصــاديــة الـنـاجـحـة ليست فقط أن تكون صحيحة في جوهرها، بل أن تُطبّق في اللحظة المناسبة. فالتحفيز لاً قـــد يــكــون علاجًـــــا فـــي أوقــــات ًث المالـــــي مــــ الـركـود، لكنه يصبح وقــودًا للتضخم في فترات الازدهــار. وكما الحال في الطب، لا تكفي جودة الدواء، بل يجب أن يُعطى في التوقيت الصحيح وبالجرعة المناسبة. هناك أيــضاً العامل السلوكي والنفسي، الــــذي يــتــزايــد تــأثــيــره فـــي عـصـر وسـائـل ــة بـمـخـتـلـف أنــواعــهــا الـــتـــواصـــل الــحــديــ «الـسـوشـل مـيـديـا» والأســـــواق المـتـرابـطـة. فـــالـــتـــوقـــعـــات تـــشـــكّـــل نـــصـــف الاقـــتـــصـــاد، ـقـة تـشـكّـل نـصـف الــنــجــاح. فـــإذا فقد والـ ـمـر ثـقـتـه فـــي جـــدوى المــــواطــــن أو المـسـتـ السياسات، فإن أي إجــراء ات مهما كانت مدروسة ستفقد أثرها، لذلك باتت إدارة التوقعات والتواصل الاقتصادي الفعّال جــزء ًا أسـاسـياً من السياسة الاقتصادية ــــة. ولا يـــمـــكـــن إغـــــفـــــال الـــبـــيـــئـــة الــــحــــديــــ المؤسسية والسياسية التي تحكم نجاح أي سياسة. فـالإصلاح يحتاج إلى جهاز إداري قادر على التنفيذ، ونظام تشريعي مـــرن، وإرادة سياسية مستقرة. فكم من خـــطـــط مـــالـــيـــة طـــمـــوحـــة تــعــطــلــت بـسـبـب ضـعـف الـكـفـاء ة أو تــضــارب المـصـالـح أو مقاومة التغيير. ولا بد من التأكيد على أن فشل السياسات الجيدة لا يعني أن النظريات الاقتصادية خـاطـئـة، بـل يعني أن الــواقــع أعـقـد مـن أن يُـــخـــتـــزل فــــي نــــمــــوذج. فـــالاقـــتـــصـــاد لـيـس علماً رياضياً فحسب، بل نظام اجتماعي وســــيــــاســــي مـــتـــكـــامـــل تـــحـــكـــمـــه الـــعـــواطـــف والمــصــالــح والـــتـــوقـــعـــات. ولــــذا فـــإن نـجـاح الــســيــاســة لا يــقــاس فــقــط بــمــا تـحـقـقـه من أرقــام في التقارير، بل بقدرتها على فهم الـــواقـــع كـمـا هـــو، وتـطـويـعـه كـمـا ينبغي، وتحقيق التوازن بين الممكن والمطلوب. أعطنيحريتيأطلق يديّا! يـقـول ألبير كـامـو «كلما كـبـرتُ بالعمر وجـــدت أنــه مـن غير الممكن ًا خفيف الحمل». � العيش إلا مع الذين يحرروننا، ويحبوننا حب الحياة الـيـوم قاسية جـــدًا، مـريـرة جـــدًا، مرهقة جـــدًا، حتى نتحمل أيضًا عبودية جديدة آتية من الذي نحبه. خلاصة وجودية كتبها كامو، فالعمر لا يُعلمنا فقط حقيقة الموت، بل أيضًا حقيقة الحب. الحب ليس ثِـقلاً إضافيًا يُقيّدنا، بل نسمة تترك لنا المجال لنكوّن أنفسنا في زمن م قل بالضغوط، حيث الإنسان محاصر بهمومه، يغدو الحب ال قيل سجناً، مهما تجمّل بالعواطف. علم النفس يميّز بين الحب التملكي الذي يستنزف الطاقة، والحب الداعم الذي يفتح مساحات من الحرية. وكامو، بروحه الرافضة لكل أشكال العبودية، يُذكّرنا أن الحب لا يكون حبًا حقًا إلا إذا حررنا من ثقل العالم، هو يضع إصبعه على موضعٍ خفيٍ في النفس الإنسانية، بقوله «كلما كبرتُ بالعمر وجدت أنه من غير الممكن العيش إلا مع الذين يحرروننا، ويحبوننا حبًا خفيف الحمل»، ليست هذه الجملة ا عاطفيًا عــابــرًا، بـل وصـيـة وجــوديــة مـن فيلسوف عــرف ثِقل تـــأملً العيش في عالمٍ يتآكل فيه المعنى بين اللامعقول والعبث. ا ضــدّ الـعـدم، كــان يــرى أن الحب كـامـو، الـــذي جعل مـن الـتـمـرّد فـــعلً هو التمرّد الأجمل، شريطة أن لا يتحوّل إلى قيدٍ جديد يربطنا بما ي ُقلنا. فالعمر حين يمضي، لا يُعلّمنا فقط كيف نــودّع الآخـريـن، بل كيف نختار من نستبقيهم دون أن نخسر أنفسنا. ًا، لم يكن إلا استحواذًا بلُغة � نكتشف أن ك يرًا مما كنّا نسمّيه حب العاطفة، أو خوفًا من الوحدة متنكّرًا في ثوب الشغف. ًــا بل � إنّ الــحــبّ الـــذي يُـرهـقـنـا بـالـغـيـرة والــشــكّ والمــراقــبــة، لـيـس حــب استعبادٌ عاطفيٌ. الحبّ الحقيقيّ هو ذاك الذي يمنحنا جناحين لا سلاسل؛ حبٌ يزرع فينا الطمأنينة لا الارتباك، ويوقظ فينا الرغبة في الحياة لا في التملك. في زمننا هذا، تتكاثر الأعباء، ويُستهلك فيه الإنسان تحت الضغط اليوميّ والماديّ، فيغدو الحبّ الخفيف فضيلة نادرة. خِـفّـتـه ليست فـي سطحيته، بـل فـي عمقه الــهــادئ؛ فـي قـدرتـه على منحنا مساحة تنفّس حين يضيق العالم. فالعلاقة التي لا تتيح للمرء أن يكون ذاته، تتحوّل شيئًا فشيئًا إلى قيدٍ من حرير، ثم إلى عبودية طوعية باسم الحبّ. يـقـول عـلـم الـنـفـس الـعـاطـفـي الـحـديـث إنّ الـــعلاقـــات السليمة تُبنى على الـتـوازن بين الارتـبـاط والاســتــقلال. فكلّ حـبٍ يـحـوّل الآخــر إلى مرآة نرجسية أو أداة لإشباع الفراغ الداخلي، ينتهي إلى استنزاف الطرفين. أمّا الحبّ الناضج، فهو ما يُبقي المسافة الجميلة بين «أنا» و«نحن»؛ مسافة الأوكسجين التي تتيح للروح أن تتنفّس دون خوفٍ من الفقد أو الحاجة إلى الهيمنة. كامو، الذي قاوم العدم بالمعنى، والعبث بالكرامة، يذكّرنا أن أجمل أشكال المحبة هي تلك التي تُعيد إلينا خفّة الوجود. فالحبّ الذي يُحرّرنا من قسوة العالم هو فعل مقاومة ضدّ الوحشية، وضدّ ابتلاع الذات في دوّامة الآخرين. إنّنا لا نحتاج إلى من يُكمّلنا كما شاع في الأدبيات الرومانسية، بل إلى من يُذكّرنا بأننا مكتملون منذ البداية، وأنّ الحبّ ليس علاجًا للناقص فينا، بل احتفالٌ بما هو جميل في كياننا الإنساني. يتجلّى درس كـامـو فـي عـبـارة واحــــدة: «لا تـحـبّ مـن يُطفئك باسم العاطفة، بل من يُضيئك باسم الحرية». فمن يمنحك شعورًا بأنك تستطيع أن تكون كما أنت، دون تكلّف أو ًيباً وما سواه، فليس سوى � خوف، هو وحده يستحق أن تسميه حب عبوديةٍ ناعمةٍ في ثوبٍ من الورد ينشف مع الأيام. الجوازات تقدّمخدماتها لزوّار مؤتمر ومعرضالحج. (واس) كلّ حبٍ يحوّل الآخر إلىمرآة نرجسية أو أداة لإشباع الفراغ الداخلي، ينتهيإلى استنزافالطرفين
Made with FlippingBook
RkJQdWJsaXNoZXIy MTExODU1NA==